Wa7iD المدير العام
عدد الرسائل : 3376 العمر : 46 العمل/الترفيه : محامى تقييم العضو : 0 تاريخ التسجيل : 27/07/2007
| موضوع: سرقة في البنسيون الأربعاء 14 نوفمبر 2007, 4:27 am | |
| سرقة في البنسيون
قصة قصيرة
بقلم
نور الدين محمد
كان الهدوء الشديد يعم هذا البنسيون القديم، و لا عجب في ذلك، فقد كانت الساعة تقترب من الثانية عشرة مساء ً، بينما كان النزيل الوحيد يجلس بغرفته البعيدة، في حين بدأ صاحب البنسيون في عد أمواله بغرفة نومه المغلقة و التي بلغت سبعة الآلاف و خمسمائة جنيه و بعد حوالي ربع ساعة،وضع جزء من المبلغ في ملف بني كبير به العديد من الأوراق و أودعه بدرج المكتب ثم خرج من غرفته و أوصد الباب وراءه بالمفتاح و توجه صوب المكان المخصص لاستقبال النزلاء و هو يحمل بقية المبلغ بيده . كان عامل البنسيون جالساً على الكرسي و بسرعة شديدة هب من مكانه و وقف عندما رأى الرجل العجوز صاحب البنسيون و الذي يمشي بصعوبة شديدة متكئاً على عكازيه. جلس الرجل العجوز على الكرسي الخاص بمكتب الاستقبال و فتح قفل درج المكتب بالمفتاح و أخرج مجموعة كبيرة من الأظرف الحمراء و الخضراء و البنية و كلها ذات ألوان غامقة، فقد اعتاد أن يضع بكل ظرف مبلغ ما لمقابلة أشياء معينة. بالفعل أخرج ظرف أخضر اللون و وضع فيه مبلغ ألف جنيه عبارة عن عشرين ورقة من فئة الخمسين و أغلق الظرف بالصمغ الخاص به، ثم أخرج ظرف أحمر اللون و وضع به مبلغ ألفي جنيه عبارة عن عشرين ورقة من فئة المائة جنيه و بالمثل أغلق الظرف بالصمغ الخاص به، ثم وضع الظرفين في الدرج و أغلقه بالقفل الخاص به و التفت إلى العامل الذي كان يقف بجواره مباشرة و أخبره بأن يستعد لمشوار الصباح. جلس صاحب البنسيون على مقعد وثير بالردهة و طلب من العامل إعداد كوب من الشاي الساخن، و بالفعل توجه العامل لتنفيذ ما طلبه منه العجوز و منظر المبالغ النقدية يتلألأ في عينيه بقوة، فديونه الكبيرة قد زادت و يجب عليه أن يفعل شيء، و لكنه كان يريد أن يحتفظ بوظيفته كعامل، لذا كان يفكر في حل يجعله يحقق ما يتمناه، و هو السرقة و البقاء في العمل، أما صاحب البنسيون فقد وضع كل أعراضه على المنضدة و انهمك في مشاهدة جهاز التلفاز و لم يخرجه من هذه المشاهدة العميقة سوى جرس الهاتف. رفع العجوز سماعة الهاتف ليجد ابنه على الطرف الآخر و هو يطلب منه مبلغ ألف جنيه، لكن العجوز أخبر الابن بأنه لا يملك الآن أية مبالغ نقدية، و عليه أن ينتظر عدة أيام . بمجرد أن وضع العجوز سماعة الهاتف حتى بدأ ضميره يؤنبه فهو يعلم حاجة ابنه للنقود، و لكنه يعلم أيضاً أن الديون قد تراكمت عليه بسبب عدم فعالية البنسيون في هذه الفترة و هو مضطر إلى أن يسدد مبلغ ستة الآلاف و خمسمائة جنيه إلى صديقه العزيز و الذي صبر عليه كثيراً، و بالكاد استطاع أن يجمع جزء منهم على أن يسدد الباقي فيما بعد، فكيف سيعطي مبلغ ما لابنه . جاء العامل بالشاي و وضعه أمام العجوز، و بعد دقائق قام الرجل من مجلسه و ذهب صوب الشرفة و فتحها و خرج إلى الهواء الطليق و نظر إلى الشارع و هو في غاية الضيق مما يحدث لابنه من مشاكل و كذلك لعدم قدرته على مساعدته . بعد خمس دقائق دخل العجوز بعد أن اشتد البرد و أخذ أغراضه من على المنضدة و طلب من العامل أن يذهب لينام لأنه سينام هو الآخر، و بالفعل ذهب العامل لينام و لكن بعد أن أصر على أن يذهب سيده أولاً للنوم حتى يطمئن إلى أنه لن يكون في حاجة لأي شيء. بعد أن دخل العجوز غرفته و أغلق الباب ورائه بالمفتاح، ظل يفكر في هذه المكالمة الحزينة و بعد تردد كبير قام و فتح درج المكتب الخاص بغرفة نومه و أخذ من المبلغ الموجود بالملف البني ألف جنيه و وضعه داخل جيب جلبابه الثقيل و أغلق الدرج بالمفتاح ثم خرج من غرفة النوم . قبل أن يغلق باب غرفته وجد جرس الهاتف يرن و ظن أن المتصل هو ابنه و ما كاد يرفع السماعة حتى وجد صديقه العزيز على الطرف الآخر . بسرعة أخبره العجوز بأنه قد جهز جزء ً من مبلغ الستة الآلاف و خمسمائة جنيه التي تستحق عليه، و هو جاهز بهم غداً صباحاً و ما عليه سوى أن يرسل له السائق فقط، و يبدو أن الصديق قد أراد الاطمئنان على وجود المبلغ، مما اضطر صاحب البنسيون إلى أن يقسم له أن المبلغ جاهز في مكتب غرفة نومه و عليه أن يطمئن و هذا الجزء هو كل ما يملك من نقود الآن . أغلق العجوز الهاتف و التفت بسرعة ليجد النزيل الوحيد المقيم بالبنسيون في هذه الفترة، جالساً على مقعد مجاور في منطقة شبه مظلمة، و سرعان ما سأله العجوز عن سر جلسته الغير معتادة في هذا الوقت فأخبره بأنه قد تضايق من الغرفة و أراد أن يجلس بالردهة قليلاً و يدخن بعض سجائره و ربما سيشاهد التليفزيون. ابتسم العجوز بضيق و هم بسؤال النزيل عن شيء و لكن الهاتف قد رن، فرفع العجوز السماعة ليجد ابنه و هو يطلب منه للمرة الثانية نفس المبلغ. أغلق العجوز السماعة و قام بالنداء على العامل و لكن النزيل أخبره بأن العامل قد صعد للسطح منذ عدة دقائق بناء ً على طلبه حتى يعدل من وضع إريال التليفزيون، و عندها بدا الضيق على وجه العجوز و قام من مجلسه و توجه صوب الباب و ما كاد يفتحه حتى وجد العامل و هو ينزل من السطح معتذراً له و معللاً تواجده هناك بطلب النزيل السخيف – على حد وصف العامل – و بسرعة طلب منه العجوز أن يرافقه إلى أسفل العمارة حتى يكونا في انتظار ابنه عندما يأتي . نزل العجوز و معه العامل و جلسا حوالي ربع ساعة في انتظار الابن و لكنه لم يأت، و بسبب البرد و إصرار العامل على الصعود، صعد العجوز إلى الأعلى و معه العامل و بدأت المخاوف تطارد العجوز ، فابنه قد طلب النقود بقوة شديدة لدرجة أنه قد طلب منه أن ينتظره بالشارع أسفل العمارة حتى يكسب مزيداً من الوقت . بمجرد أن صعد العجوز حتى رن جرس الهاتف فرفع العامل السماعة و بسرعة أغلق الهاتف، و أخبر سيده أن الابن قد اعتذر عن المجيء، و حاول العامل أن يفهم ما هي المشكلة و لم انتظره العجوز بالأسفل و لكن العجوز نهره بقوة و طلب منه أن يذهب لينام و خصوصاً أن النزيل لم يعد موجوداً بالردهة. توجه العجوز نحو غرفته و فتح الباب و أغلقه ورائه بالمفتاح و ذهب لينام بكل ما عليه من ملابس و يبدو أن التوتر القوي و الضيق و الحزن قد عرفوا مكاناً كبيراً لقلبه هذه الليلة . في السابعة صباحاً استيقظ العجوز و بهدوء توجه صوب باب غرفته ليذهب للحمام و لكنه لم يجد ميدالية المفاتيح بالباب فتعجب جداً من هذا الأمر، و نظر بعينيه فوجدها أسفل الباب مباشرةً ، فلم يفهم ما حدث ...!!!، و على الرغم من هذا الأمر فقد وضع المفتاح في القفل و أداره و فتح الباب المغلق و توجه صوب الحمام و بعد أن خرج و كالعادة وضع أغراضه على منضدة الردهة و خرج إلى الشرفة و طلب من العامل أن يُجهز له فطوره و بالفعل قام العامل بتجهيز الفطور و ذهب ليرى بقية أعماله . رن جرس الباب بعد ساعة ففتح العامل الباب ليجد السائق الخاص بصديق العجوز و قد أتي ليستلم المبلغ المتفق عليه، و على الفور توجه العجوز و بصعوبة شديدة نحو غرفته بعد أن أخذ المفاتيح من على المنضدة و فتح الغرفة و دخل و أخرج المظروف البني الكبير و بسرعة شديدة خرج من الغرفة و توجه صوب مكتب الاستقبال و فتحه بالمفتاح و أخرج الظرف الأحمر المغلق و أعطى الظرف و الملف للسائق و أخبره أن المبلغ كامل و أنه يريد الكمبيالة الأصلية، و على الفور ًأعطاه السائق الكمبيالة المستحقة عليه بميلغ الستة الآلاف و خمسمائة جنيه . بعد أقل من نصف ساعة قام العجوز من مجلسة و توجه صوب مكتب الاستقبال و فتحه مرة أخرى و أخرج الظرف الأخضر و أعطاه للعامل و طلب منه أن يشتري أغراض معينه للبنسيون. بعد نصف ساعة رن جرس الهاتف فرفع العجوز السماعة ليجد صديقه العزيز و في صوته بدت علامات الضيق و الإحراج معاً و هو يخبره بأن الموجود في كل الأظرف هو ألف جنيه فقط لا غير و العديد من الأوراق المتفق عليها . أغلق العجوز السماعة و قد طلب من صديقه مهلة للتفكير، فقد أصيب بحالة من الذهول، فالأربعة الآلاف و خمسمائة جنيه كانوا في ملف بني كبير مغلق بمشبك بلاستيكي مما يجعل سقوط النقود منه في عداد المستحيلات و الألفين جنيه كانوا في الظرف الأحمر المغلق، و السائق قد استلم الظرف و الملف و وضعهما في حقيبة جلدية سوداء أمام عينه و لم تُفتح هذه الحقيبة إلا أمام صديقه و الذي أكد على وجود الظرف الأحمر و الملف البني و كل الأوراق و لكن كل المبالغ هي ألف جنيه فقط لا غير . أيمكن أن يكون العجوز قد سُرق، ظل العجوز يفكر، من سرقه، بالتأكيد ليس صديقه و لا السائق، فمن غير المعقول أن يعطونه الكمبيالة و يقولون بعدها أن المبلغ ناقص، بالإضافة إلى أنهما مصدرا ثقة و عشرة عمر و لا يمكن أن يلعبا به،و هم دائماً ما يتبادلون النقود دونما العد وراء بعضهم، و ظل العجوز يفكر، فهو لا يترك باب غرفته مفتوحاً أبداً و حتى عندما يذهب للحمام فهو يغلق الباب و يأخذ المفاتيح معه و الشباك الوحيد الموجود بغرفته محكم الغلق و لا يمكن المرور منه . بدأت بعض الأشياء الغريبة تتراءى أمام العجوز فقد تذكر أنه قد ترك باب غرفته مفتوحاً عندما نزل ليقابل ابنه بالشارع، صحيح أنه أغلقه و لكن ليس بالمفتاح، و جاء خوفه على الابن ليجعله ينسى هذا الأمر، و لكن العجوز تذكر أن العامل كان معه خطوة بخطوة، كما أن درج المكتب الخاص بغرفته كان مغلقاً بشكلٍ قوي و مفتاحه في ميدالية المفاتيح و التي كانت مع العجوز عندما نزل ليقابل ابنه . كما أن درج مكتب الاستقبال كان مغلقاً و الأظرف في مكانها و هو بنفسه من قام بفتح الدرج في الصباح و إخراج الظرفين، و بينما و هو في قمة الحيرة عاد العامل و معه العديد من المشتروات و قام بإعطاء فواتير شراء تبلغ قيمتها ألف و عشرون جنيه، و قال أنه لم يكن معه سوى ألف جنيه لذا فهو مدين للتاجر بعشرين جنيه. دخل العجوز غرفته و أغلق الباب و تذكر منظر ميدالية مفاتيحه و هي تقع على الأرض و تأمل الفراغ الذي يوجد أسفل الباب و الذي من الممكن أن يسمح بمرور الميدالية و توقع أن يكون شخصاً ما قد قام بإزاحة الميدالية من مكانها و استقبلها على ورقة جريدة أو ما شابه و لكنه عاد و ألغى هذا الفرض تماماً عندما تذكر بقوة أنه قد أغلق الباب بالمفتاح من الداخل و وضع المفتاح بشكلٍ مائل في القفل مما يستحيل معه أن يقوم أحد بدفع المفتاح و استقباله على أي شيء، و لكن ما الذي جعل الميدالية تسقط ..!؟ هكذا تساءل العجوز في حيرة، و عندما جال بنظره في الغرفة لمح ولاعة سجائر صغيرة بجوار السرير، فالتقطها العجوز بصعوبة و تأملها، و هو يفكر في أمر هذا الشيء، فلا هو و لا خادمة يدخنان . نزل العجوز إلى مدخل العقار و سأل البواب عن ليلة أمس، و تحديداً في الفترة التي شهدت عد النقود و وضعها في أماكنها فأخبره البواب أن هذه الفترة لم تشهد دخول أو خروج لا العامل و لا النزيل و لا أي ساكن من سكان العمارة و هو متأكد من هذا الأمر، فقط أخبره أنه قد شاهده بصحبة العامل في انتظار شخص ٍ ما، و أما غير ذلك فهو متأكد لأنه ظل مستيقظاً طيلة الليل في انتظار أثاث جديد لأحد السكان، و مع عدم وجود باب آخر للعمارة تأكد العجوز من عدم دخول أو خروج أي شخص، إلا – و على حسب قول البواب – خروج النزيل في السادسة صباحاً و نزول العامل في الثامنة و النصف صباحاً لشراء مشتروات و أما غير ذلك فلا. كل هذه الأمور زادت العجوز حيرة ؟؟ و خصوصاً أنه لا توجد نسخة من أي مفتاح مع أي شخص آخر غير العجوز، باستثناء مفتاح الشقة فقط و الذي يوجد منه نسخة مع العامل ؟؟ كما أن الأدراج المكتبية لو فتحت بغير المفاتيح لظهر أثر ذلك عليها بسبب طبيعة الأقفال و هو ما لم يحدث، حيث انه لا توجد أية خدوش عليها ؟؟ من أين يبدأ ليعرف من سرقه ؟؟ و هذا سؤال هام ؟ و هل هي يد واحدة امتدت لتسرقه أم أكثر من يد ؟؟ و هل ظن العجوز في محله بأن الأمر لن يخرج عن العامل و النزيل ؟؟ كيف حدثت هذه الجريمة، و كيف تضاءل المبلغ بهذا الشكل، مع كل ما يحيط بالعجوز من غموض ؟؟
تمت
| |
|