جريمة مسائية
قصة قصيرة
بقلم
نور الدين محمد
" لو سافر شريف فسوف نضيع كلنـا "
هكذا قال " عباس " و هو يوجه كلامه إلى زميله " صبحي "، فقد كان يتحدث عن زميله الآخر " شريف " و الذي انقلب عليهم مؤخراً و ترك تنظيمهم الإجرامي لسرقة الناس بالإكراه و ذلك بعد أن سرق كل الأموال التي جمعوها طيلة الفترة الماضية و قرر العودة لبلدته.
عندما اجتمع " عباس " مع " صبحي " في صباح هذا اليوم ليتكلم معه عما فعله " شريف " كان يفكر بعمق في كيفية التخلص منه ، و لكنه لم يخبر زميله " صبحي " بما ينويه لأنه أصبح خائفاً من أن يقوم " صبحي " هو الآخر بالانقلاب عليه في يوم ٍ من الأيام و عليه فقد يخبر أحد بما حدث، لذا فقد قرر أن يتخلص من " شريف " الذي أصبح يمثل تهديد كبير و خصوصاً أن الأخير سوف يسافر إلى قريته غداً و ربما لن يعود و سيصبح من الصعب الوصول إليه بعد ذلك.
على الجانب الآخر كان " صبحي " في قمة الغضب و هو يستمع لـ " عباس " و لكنه و لخوفه من أن تكون هذه لعبة بين " شريف " و " عباس " فقد قرر أن يتخلص من " شريف " دونما إخبار " عباس " و لكن بعد أن يسترد الأموال التي أخذها " شريف " .
كان كلاهما يعرف أن لـ " شريف " عداوات كثيرة للغاية مع أناس كثيرين و هذا الأمر سوف يجعل القضية تتوه بين العديد و العديد من الأشخاص.
في بيت ٍ صغير فلاحي مكون من دورين قصيرين و معزول عن السكنى و يقترب من الحي الشعبي، كان " شريف " الذي يملك البيت و يسكن به بمفرده و بالدور الثاني الذي لا يحتوي إلا على شقة " شريف "، يقوم بتجهيز حقيبته للسفر محاولاً أن يتناسى رنات الهاتف التي لا تنقطع لأنه يعرف شخصية المتكلم و الذي لن يكون سوى " جابر " جاره بالحي الشعبي و بالطبع سوف يطلب منه أن يصبر عليه في الديون الخاصة به لأن " شريف " هدده بأنه لو سافر دونما الحصول على أمواله فسوف يقدم إيصالات الأمانة للنيابة.
لم يكن " جابر " أمامه سوى أن يحصل على إيصالات الأمانة أو أن يقتل " شريف " و لهذا فقد زاره عدة مرات بالأمس محاولاً طلب مهلة و لكن دونما فائدة.
ربما بدأت قطرات المطر في الهطول بقوة و عليه فقد توجه " شريف " و خرج إلى الشرفة الخاصة بغرفة نومه و تلمس قطرات المطر بيديه ثم توجه نحو الداخل و أغلق الشرفة بإحكام شديد للغاية خشية أن تتسرب كالعادة قطرات المطر إلى الداخل .
تحرك " عباس " بسيارته نحو منزل " شريف " و هو ينوي أن يتخلص منه، و على الجانب الآخر كان " صبحي " يكمل ملابسه و في طريقه نحو المنزل أيضاً.
اشتد المطر بشكل كبير للغاية مما جعل الشارع البعيد عن السكنى و الذي يوجد به المنزل يخلو من أي خطوة تماماً بالإضافة إلى ظلام الليل في تمام الثانية عشرة مساء ً و برودة هذا الوقت من الشتاء.
بدأت أولى الخطوات من جانب " جابر " الذي توجه بسرعة نحو الجهة الخلفية من المنزل و استعان ببعض الأسياخ الحديدية الملتوية الظاهرة من جدار هذه الجهة و أيضاً ببعض نتوءات الجدار و اعتلى السطح و كانت خطته تكمن في إفساد سلك الطبق الفضائي بالمطواة التي يحملها مما سوف يضطر " شريف " الذي اعتاد السهر أمام القنوات الفضائية إلى أن يصعد للسطح لإصلاحه و خصوصاً أنه يعرف بهذه الأمور و تعامل معها من قبل و ساعتها فسوف يكون " جابر " مختبئاً في ركن مظلم بعيد عن الطبق و برغم أن الظلام الشديد و ظروف مكان الاختباء لن تمكنه من رؤية " شريف " و لكنه سيسمع خطواته و سيعرف أنه صعد لإصلاح الطبق و عندها سينزل " جابر " و يدخل إلى الشقة سريعاً و يختبئ بالغرفة المجاورة لغرفة نوم " شريف " و هو يعرف جيداً أنها غرفة مهجورة بها حطام أشياء كثيرة كما أنه يعرف أن " شريف " سيكون بمفرده هذا اليوم، و سينتظر حتى ينام و يرى ما يجب فعله، و بينما كان " جابر " يقوم بهذا الأمر – إفساد الطبق الفضائي – كان " عباس " قد وصل إلى المنزل و قام بركن سيارته في مكان بعيد و انزوى في ركن مظلم تماماً لا يواجه المنزل و هو ينظر إلى ساعته بصعوبة شديدة بينما يتحسس المطواة الخاصة به و الموجودة بجيب بنطلونه و قد قرر أن ينفذ خطته بعد فترة و لم تكن هذه الخطة سوى الدخول من شرفة غرفة نوم " شريف " التي تقع في الجهة الأمامية للمبنى و بواسطة نتوءات خشبية بارزة من هذه الجهة و لكن بعد أن يشعر أن " شريف " قد نام حتى يطمئن إلى أنه بمفرده .
كان لـ " صبحي " تخطيط آخر فقد استطاع منذ أسبوع و هو آخر لقاء جمع بين الثلاثة – عباس و صبحي و شريف - أن يعمل نسخة مقلدة من مفاتيح البوابة الحديدية للمنزل الصغير و كذلك مفتاح الشقة و ذلك بعد أن غافل " شريف " حينها و نفذ هذا الأمر و لم يخبر أي أحد حتى " عباس " نفسه، و لذا فقد قرر أن ينتظر حتى يطمئن أن " شريف " قد نام مما يعني أنه بمفرده لأنه يعرف أن " شريف " لا يسمح لأحد بالمبيت معه سوى عشيقته و هي مسافرة في هذه الأيام، ثم سيتوجه إلى داخل المنزل وينفذ جريمته و لم يكن أمامه سوى هذه الطريقة لأنه لا يجيد إطلاقاً عملية تسلق المواسير أو ما شابهها.
أنهى " شريف " كل شيء و نظر إلى ساعته و لاحظ أنه استغرق وقت كبير جداً لم يتوقعه ثم توجه صوب التليفزيون و فتحه و اندهش بشدة من عدم وصول إرسال الطبق الفضائي رغم مراجعته لكل التوصيلات الموجودة بالشقة و قرر أن يذهب للسطح ليرى هذا الأمر فتوجه نحو باب الشقة و فتحه و لكنه سمع صوت أسفل السلم فقام بالنزول و تحسس الجنزير الحديدي على البوابة و كذلك القفل المغلق عليه، ثم قام بسب هذه القطة التي اعتادت أن تدخل من البوابة و أقسم أنه سوف يقتلها و بسرعة توجه صوب الشقة ثم نحو شرفة غرفته و فتحها و بحث عن عصا قوية و هو يظن أن سبب هذا الصوت هو القطة بينما كان السبب الحقيقي هو " صبحي " الذي دخل من البوابة بعد أن انتظر فترة كبيرة و أغلق جنزيرها بعدما دخل و عندما حاول الصعود ليستكشف الأمر فوجئ بـ " شريف " على وشك الخروج من الشقة فقام بالاختباء تحت سلم المبنى المظلم، و عندما عرف أن " شريف " سوف يعود و ربما سيجده هذه المرة قام بسرعة بمحاولة فتح الجنزير و لكن الظلام لم يمكنه من ذلك فصعد بسرعة كبيرة إلى السطح و توجه نحو غرفة قديمة تقع في جانب سطح المبني فهو لا يريد قتل " شريف " الآن خشية أن يكون معه شخص آخر و عندها لن يستطيع البحث عن الأموال و ربما لن يستطيع الفرار.
في نفس لحظة دخول " صبحي " للغرفة كان " شريف " قد خرج من باب الشقة بعد أن أحضر عصا و توجه بسرعة صوب الدور الأول و بحث بهدوء لمدة خمس دقائق في غرفة صغيرة مظلمة لا شباك لها تمثل كل الدور الأول حيث أن هذا الدور لا يتكون سوى من هذه الغرفة، و لكنه لم يجد شيء فقام بوضع قفل جديد كبير اشتراه منذ ساعات داخل الجنزير و أغلقه و أخذ القديم الذي اعتلاه الصدأ معه ثم عاد إلى الشقة و أغلق الباب ورائه و لكنه لا يعرف لماذا ارتجف قلبه بشدة رغم يقينه أن بالأمر قطة فقط .
توجه صوب الهاتف و أجرى اتصالاً هاتفياً بفتاة يعرفها و جلس يتحدث معها لفترة لا تقل عن النصف ساعة و طلب منها عدة أشياء و في مقدمتها عدم إخبار أي شخص بعلاقتهما كما طلب منها أن تحافظ على أوراقه و أمواله التي أعطاها لها بالأمس و خصوصاً أن هذه الأشياء هي كل ما يملك، ثم أغلق الهاتف و توجه إلى الردهة و تذكر أنه سيغادر المنزل في الغد إلى غير رجعة و تذكر أن السمسار الذي طلب منه أن يجد مشتري لهذا لمنزل قد طلب نسخة من المفاتيح حتى يتمكن من عرض البيت لأي شخص يريد شرائه و لذا فقد قام " شريف " منذ ساعات قليلة بوضع الأثاث المهم – و هو قليل - في الغرفة المجاورة و أغلق نافذتها بإحكام كما أنه سوف يغلق باب غرفة نومه بالقفل عند الصباح .
توجه " شريف " نحو المنضدة الحديدية الثقيلة و أخذ من عليها عدة أقفال جديدة اشتراها منذ ساعات و قام بغلق باب السندرة و الدولاب الخاص بالمطبخ و باب الغرفة المجاورة بهذه الأقفال و لأنه لا يوجد شيء يصلح لتعليق القفل الحديدي بباب الشقة فقد قام بوضع المنضدة الحديدية الثقيلة خلفه و بطريقة معينة نظراً لأن قفل الباب أصبح غير صالح و أصابه العطب صباح أول أمس مما يجعل الباب لا يُغلق و النجار خدعه أكثر من مرة و لم يأت لإصلاحه، ثم توجه صوب غرفته و تأملها و لاحظ توقف المطر و ذهب لينام و خصوصاً أن الساعات الأولى من هذا اليوم قد بدأت و هو سيسافر بعد عدة ساعات قليلة .
في مساء هذا اليوم كان شقيق " شريف " الذي يسكن بالقرية قد جاء بعد أن قلق بشأن أخيه الذي لم يحضر طيلة اليوم رغم تأكيده بأنه سيحضر بالصباح الباكر و أيضاً لم يرد على أي هاتف و بمجرد أن حضر حتى وجد الجنزير مغلق فقام بإبلاغ الشرطة و لم ينتظر حتى تتحرك الشرطة فيما بعد فقام بالاستعانة بحداد مجاور و كسر القفل و توجه صوب باب الشقة و اضطر إلى الاستعانة بأشخاص من الشارع ليدفعوا الباب و بمجرد أن دخلوا بعد مجهود كبير توجه الشقيق صوب غرفة نوم " شريف " و صرخ بقوة عندما وجد شقيه غارقاً في دمائه.
كانت الشرطة تملئ المكان بعد فترة قصيرة و بدأت البحث المكثف و بدأت الأدلة الغريبة تتوالى فقد تم العثور على مطواة أسفل نافذة صغيرة خاصة بالغرفة المجاورة لغرفة نوم " شريف " و قد كانت النافذة الصغيرة مفتوحة بينما كان بابها مغلق بقفل كبير، و بالبحث تم الوصول إلى قطع متعمد بسلك الطبق الفضائي و كذلك العثور على كسور صغيرة في ماسورة المجاري المتهالكة الموجودة في جانب المبني و كذلك التواء واضح فيها و قد حدث تسرب بسيط منها و قد أكد الجيران أنهم لم يروا هذا التسرب إلا عند صباح يوم اكتشاف الجريمة و حاولوا إخبار " شريف "، و لكنهم لم يتوصلوا إليه كما لم يتم العثور على أي شيء سواء أموال أو إيصالات أمانة رغم معرفة الشارع كله بأنه يملك من إيصالات الأمانة الكثير لأنه مرابي و لا يمكن أن يخلو بيته من هذه الإيصالات فكيف يمكن أن يحدث هذا الأمر.
من قتل شريف
عباس أم صبحي أم جابر